(كَذلِكَ) أي : أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك. أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لـ «وجد» ، أو «نجعل» أو صفة «قوم» أي : على قوم مثل ذلك القبيل الّذين تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم.
(وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) أي : علمنا ما كان عند ذي القرنين من الجنود والآلات والعدد والأسباب (خُبْراً) علما تعلّق بظواهره وخفاياه. والمراد : أنّ كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلّا علم اللطيف الخبير.
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) يعني : طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب ، أخذا من الجنوب إلى الشمال (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) هما جبلان سدّ ذو القرنين ما بينهما.
وهما جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل : جبلان في أواخر الشمال ، في منقطع أرض الترك ، من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقيل : إنّ هذا السدّ وراء بحر الروم ، على مؤخّرهما البحر المحيط.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر ويعقوب : بين السّدّين بالضمّ. وهما لغتان. وقيل : المضموم لما خلقه الله بمعنى المفعول ، والمفتوح لما عمله الناس ، لأنّه في الأصل مصدر سمّي به حدث يحدثه الناس. وقيل : بالعكس.
و «بين» هاهنا مفعول به ، كما انجرّ على الإضافة ، كقوله : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) (١). وكما ارتفع في قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) (٢) لأنّه من الظروف الّتي تستعمل أسماء وظروفا.
(وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) إلّا بجهد ومشقّة ، من إشارة ونحوها كما يفهم البكم ، لغرابة لغتهم ، وقلّة فطنتهم.
__________________
(١) الكهف : ٧٨.
(٢) الأنعام : ٩٤.