(عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) يحجز دون خروجهم علينا. وقد ضمّه من ضمّ السدّين غير حمزة والكسائي.
(قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ما جعلني فيه مكينا من كثرة المال والملك خير ممّا تبذلون لي من الخراج ، ولا حاجة بي إليه ، كما قال سليمان عليهالسلام : (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) (١). وقرأ ابن كثير : مكّنني على الأصل.
(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي : بقوّة فعلة وصنّاع يحسنون البناء ، أو بما أتقوّى به من الآلات (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) حاجزا حصينا موثقا هو أكبر من السدّ ، من قولهم : ثوب مردّم إذا كان رقاعا فوق رقاع.
(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قطعه. والزبرة القطعة الكبيرة. وهو لا ينافي ردّ الخراج والاقتصار على المعونة ، لأنّ الإيتاء بمعنى المناولة. ويدلّ عليه قراءة أبي بكر : ردما ائتوني ، بكسر التنوين موصولة الهمزة ، على معنى : جيئوني بزبر الحديد. والباء محذوفة ، حذفها في : أمرتك الخير. ولأن إعطاء الآلة من الإعانة بالقوّة ، دون الخراج على العمل.
(حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) سوّى بين جانبي الجبلين ، بأن أمر بتنضيدها.
وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريّان بضمّتين ، وأبو بكر بضمّ الصاد وسكون الدال ، من الصدف وهو الميل ، لأنّ كلّا منهما منعزل عن الآخر ، ومنه التصادف للتقابل.
(قالَ انْفُخُوا) أي : قال للعملة : انفخوا في الأكوار (٢) والحديد (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ) جعل المنفوخ فيه (ناراً) كالنار بالإحماء (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أي : آتوني قطرا ـ أي : نحاسا مذابا ـ أفرغ عليه قطرا ، لينسدّ الثقب الّذي فيه ، ويصير جدارا مصمتا. وكانت حجارته الحديد ، وطينه النحاس الذائب. فحذف المفعول الأوّل لدلالة الثاني عليه. وبه تمسّك البصريّون على أنّ إعمال الثاني من العاملين المتوجّهين نحو
__________________
(١) النمل : ٣٦.
(٢) الكور : كور الحدّاد المبنيّ من الطين. وجمعه أكوار.