وروي العيّاشي بإسناده عن عليّ بن أسباط قال : «قدمت المدينة وأنا أريد مصر ، فدخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهالسلام ، وهو إذ ذاك خماسيّ ، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر ، فنظر إليّ وقال يا عليّ : إنّ الله قد أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوّة ، فقال : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وقال : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (١).
(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) عطف على الحكم ، أي : وآتيناه رحمة منّا عليه. أو رحمة وتعطّفا في قلبه على أبويه وغيرهما ، فإنّ «حنّ» في معنى : ارتاح واشتاق ، ثمّ استعمل في العطف والرأفة ، وقيل لله : حنان ، كما قيل : رحيم ، على سبيل الاستعارة. ومنه : حنين الناقة ، وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها.
(وَزَكاةً) وطهارة من الذنوب ، أو صدقة ، أي : تصدّق الله به على أبويه ، أو مكّنه ووفّقه على أن يتعطّف على الناس ويتصدّق عليهم (وَكانَ تَقِيًّا) مطيعا ، متجنّبا عن المعاصي.
(وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) وبارّا بهما ومطيعا (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) متكبّرا متطاولا على الناس (عَصِيًّا) عاقّا ، أو عاصيا ربّه.
(وَسَلامٌ) من الله (عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم (وَيَوْمَ يَمُوتُ) من عذاب القبر (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) من عذاب النار وهول القيامة. وإنّما قال : «حيّا» تأكيدا لقوله : «يبعث».
خصّه سبحانه بالكرامة والسلامة في هذه المواطن الثلاثة الّتي هي أوحش المواطن ، فإنّ يوم الولادة يوم يرى الإنسان نفسه خارجا ممّا كان فيه ، ويوم الموت يوم يرى أشياء ليس له بها عهد ، ويوم البعث يوم يرى نفسه في محشر عظيم.
__________________
(١) القصص : ١٤.