قالوا : وكان زكريّا قد أخبر قومه بما بشّر به ، فلمّا خرج عليهم وامتنع من كلامهم علموا إجابة دعائه ، فسرّوا به.
(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) بيده ، لقوله : (إِلَّا رَمْزاً) (١). وعن ابن عبّاس : كتب لهم على الأرض. (أَنْ سَبِّحُوا) صلّوا. وتسمّى الصلاة سبحة وتسبيحا ، لما فيها من التسبيح.
وقيل : أراد التسبيح بعينه كما هو الظاهر ، أي : نزّهوا ربّكم. (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) طرفي النهار. ولعلّه كان مأمورا بأن يسبّح ويأمر قومه بأن يوافقوه. و «أن» تحتمل أن تكون مصدريّة ، وأن تكون مفسّرة.
قال ابن جريج : أشرف عليهم من فوق غرفة كان يصلّي فيها ، لا يصعد إليها إلّا بسلّم ، وكانوا يصلّون معه الفجر والعشاء ، وكان يخرج إليهم فيأذن لهم بلسانه ، فلمّا اعتقل لسانه خرج على عادته وأذن لهم بغير كلام ، فعرفوا عند ذلك أنّه قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى ، فمكث ثلاثة أيّام لا يقدر على الكلام معهم ، ويقدر على التسبيح والدعاء.
(يا يَحْيى) فيه اختصار عجيب ، تقديره : فوهبناك يحيى ، وأعطينا له العقل والفهم ، وقلنا له : يا يحيى (خُذِ الْكِتابَ) التوراة (بِقُوَّةٍ) بجدّ ، وصحّة عزيمة ، واستظهار بالتوفيق. أو بما قوّاك الله عليه وأيّدك.
(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) يعني : الحكمة. يقال : حكم حكما كحلم ، أي : صار حكيما وحليما. وهو فهم التوراة ، والفقه في الدين ، والعمل به. وقيل : النبوّة وأنّ الله أحكم عقله في صباه واستنبأه.
قيل : دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبيّ فقال : ما للعب خلقنا. وعن ابن عبّاس : أنّه أوتي النبوّة وهو ابن ثلاث سنين. وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا عليه الصلاة والسلام.
__________________
(١) آل عمران : ٤١.