السماوات والأرض وما بينهما؟! فحين عرفته بهذه الصفة (فَاعْبُدْهُ) وحده (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي : اصبر على تحمّل مشقّة عبادته ، يثبك كما أثاب غيرك من المتّقين.
وهذا خطاب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مرتّب على ما قبله ، أي : لمّا عرفت ربّك بأنّه لا ينبغي له أن ينساك أو ينسى أعمال العمّال ، فأقبل على عبادته ، واصطبر عليها ، ولا تتشوّش بإبطاء الوحي وهزء الكفرة.
وإنّما عدّي باللام لتضمّنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاقّ ، كقولك للمحارب : اصطبر لقرنك ، أي : اثبت للعبادة ، ولا تهن ، ولا يضق صدرك عن إلقاء عداتك (١) من أهل الكتاب إليك الأغاليط (٢) ، وعن احتباس الوحي عليك مدّة ، وعن شماتة المشركين بك.
(هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مثلا وشبيها يستحقّ أن يسمّى إلها ، أو أحدا سمّي الله؟! فإنّ المشركين وإن سمّوا الصنم إلها لم يسمّوه الله قطّ ، وذلك لظهور أحديّته ، وتعالى ذاته عن المماثلة ، بحيث لم يقبل اللبس والمكابرة. أو هل تعلم أحدا يسمّى خالقا رازقا ، محييا مميتا ، قادرا على الثواب والعقاب سواه حتّى تعبده؟ فإذا لم تعلم ذلك فالزم عبادته.
والاستفهام لتقرير الأمر ، أي : إذا صحّ أن لا أحد مثله ، ولا يستحقّ العبادة غيره ، لم يكن بدّ من التسليم لأمره ، والاشتغال بعبادته ، والاصطبار على مشاقّها.
(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢))
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «العداة جمع عاد ، وهو الظالم ، كقضاة جمع قاض. منه».
(٢) في هامش النسخة الخطية : «الأغاليط جمع أغلوط وأغلوطة. وفي الحديث نهي عن المغلوطات والأغلوطات. وهي المبهمة من المسائل. منه».