والنسيان ، فأنّى لنا أن نتقلّب في ملكوته إلّا إذا راى ذلك مصلحة وحكمة ، وأطلق لنا الإذن فيه.
وقيل : معناه : وما كان ربّك تاركا لك ، كقوله : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (١) أي : احتباس الوحي لم يكن عن ترك الله لك وتوديعه إيّاك كما زعمت الكفرة ، وإنّما كان لحكمة رآها فيه.
وقيل : أوّل الآية حكاية قول المتّقين حين يدخلون الجنّة. والمعنى : وما ننزل الجنّة إلّا بأمر الله ولطفه ، وهو مالك الأمور كلّها ، السالفة والمترقّبة والحاضرة ، فما وجدناه وما نجده من فضله ولطفه. وقوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) تقرير من الله لقولهم : أي : وما كان ناسيا لأعمال العاملين ، وما وعد لهم من الثواب عليها ، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذي ملكوت السماوات والأرض وما بينهما؟! وقيل : ما سلف من أمر الدنيا ، وما يستقبل من أمر الآخرة ، وما بين ذلك ما بين النفختين ، وهو أربعون سنة.
وقيل : ما مضى من أعمارنا ، وما غبر منها ، والحال الّتي نحن فيها.
وقيل : ما قبل وجودنا ، وما بعد فنائنا ، وحين حياتنا.
وقيل : الأرض الّتي بين أيدينا إذا نزلنا ، والسّماء الّتي وراءنا ، وما بين السماء والأرض.
وتوضيح المعنى : أنّه المحيط بكلّ شيء ، لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة ، فكيف نقدم على فعل نحدثه إلّا صادرا عمّا توجبه حكمته ، ويأمرنا به ، ويأذن لنا فيه؟! وقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) بيان لامتناع النسيان عليه. وهو خبر محذوف ، أو بدل من «ربّك» أي : كيف يجوز النسيان والغفلة على من له ملك
__________________
(١) الضّحى : ٣.