(ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ) جميعا (حَوْلَ جَهَنَّمَ) ليرى السعداء ما نجّاهم الله منه ، فيزدادوا غبطة وسرورا ، وليشمتوا بأعداء الله وأعدائهم ، فتزداد مساءتهم ، وينال الأشقياء ما ادّخروا لمعادهم عدّة ، فيزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب ، وشماتتهم عليهم.
(جِثِيًّا) متجاثين (١) على ركبهم ، لما يدهمهم من هول المطّلع. أو لأنّه من توابع التواقف للحساب قبل التواصل إلى الثواب والعقاب ، فإنّ أهل الموقف كلّهم جاثون ، لقوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) (٢) على المعتاد في مواقف التقاول. وإن كان المراد بالإنسان الكفرة ، فيجوز أن يساقوا جثاة من الموقف إلى شاطئ جهنّم إهانة بهم ، أو لعجزهم عن القيام ، لما عراهم من الشدّة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر الجيم. وكذا في : عتيّا وصليّا.
(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) لنستخرجنّ (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) فعلة بمعنى الطائفة التي شاعت ، أي : تبعت. والمراد : من كلّ أمّة شاعت دينا. (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) من كان أعتى وأعصى منهم ، فنطرحهم في جهنّم. والعتيّ مصدر ، كالعتوّ ، وهو التمرّد في العصيان.
وفي ذكر الأشدّ تنبيه على أنّه تعالى يعفو كثيرا من أهل العصيان. ولو خصّ بالكفرة ، فالمراد أنّه يميّز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم ، ويطرحهم في النار على الترتيب ، أو يدخل كلّا طبقتها الّتي تليق به.
واختلفوا في «أيّهم» ، فعند سيبويه أنّه مبنيّ على الضمّ ، لأنّ حقّه أن يبنى كسائر الموصولات ، لكنّه أعرب حملا على «كلّ» و «بعض» للزوم الإضافة ، فإذا حذف صدر صلته زاد نقصه ، فعاد إلى بنائه ، لتأكّد شبه الحرف من جهة الاحتياج إلى أمر غير الصلة ،
__________________
(١) جثا جثوّا وجثيّا : جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه ، فهو جاث ، وجمعه : جثيّ وجثيّ.
(٢) الجاثية : ٢٨.