الموادّ بعد التفريق ، وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض ، وأدلّ على قدرة الخالق ، حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود. ثمّ أوقع التأليف مشحونا بضروب الحكم الّتي تحار فيها الفطن ، من غير حذو على مثال ، واقتداء بمؤلّف ، ولكن اختراعا وإبداعا من عند قادر ، جلّت قدرته ، ودقّت حكمته.
وأمّا النشأة الثانية فقد تقدّمت نظيرتها وعادت لها كالمثال المحتذى عليه ، وليس فيها إلّا تأليف الأجزاء الموجودة الباقية وتركيبها ، وردّها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفكيك والتفريق.
وقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) دليل على هذا المعنى. وكذلك قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (١) على أنّ ربّ العزّة سواء عليه النشأتان ، لا يتفاوت في قدرته الصعب والسهل ، ولا يحتاج إلى احتذاء على مثال ، ولا استعانة بحكيم ، ولا نظر في مقياس ، ولكن يواجه جاحد البعث بذلك دفعا في بحر معاندته ، وكشفا عن صفحة جهله.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب : يذّكّر ، من التذكّر الّذي يراد به التفكّر.
ثمّ أقسم سبحانه باسمه مبالغة وتأكيدا لوقوع الحشر ، فقال : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أضاف اسمه إلى نبيّه تفخيما لشأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقوله : (وَالشَّياطِينَ) عطف على المفعول به ، أو مفعول معه. وهذا أحسن ، لما روي أنّ الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الّذين أغووهم ، كلّ كافر مع شيطانه في سلسلة. هذا إذا كان المراد بالإنسان الكفرة خاصّة. أمّا إذا أريد الأناسي على العموم ، فالمعنى : أنّهم إذا حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين ، فقد صدق أنّهم حشروا جميعا معهم ، كقوله : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (٢) ، وإن كان القمر في فلك واحد.
__________________
(١) الروم : ٢٧.
(٢) نوح : ١٦.