والموعظة الحسنة. أو بكثرة الرياضة ، وكثرة التهجّد ، والقيام على ساق.
قيل : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلّي الليل كلّه ، ويعلّق صدره بحبل حتّى لا يغلبه النوم ، فأمره الله أن يخفّف على نفسه ، وقال : ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة ، وتذيقها المشقّة الفادحة ، وما بعثت إلّا بالحنيفيّة السهلة السمحة.
والشقاء شائع بمعنى التعب ، ومنه المثل : أشقى من رائض (١) المهر ، وسيّد القوم أشقاهم.
وقيل : ردّ وتكذيب للكفرة ، فإنّهم لمّا رأوا كثرة عبادته قالوا : إنّك لتشقى بترك ديننا ، وإنّ القرآن أنزل عليك لتشقى به.
(إِلَّا تَذْكِرَةً) أي : لكن تذكيرا. وانتصابها على الاستثناء المنقطع. ولا يجوز أن يكون بدلا من محلّ «لتشقى» لاختلاف الجنسين ، ولا مفعولا له لـ «أنزلنا» لأنّ الفعل الواحد لا يتعدّى إلى علّتين.
ويحتمل أن يكون المعنى : إنّا أنزلنا إليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ، ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم ، وغير ذلك من أنواع المشاقّ وتكاليف النبوّة ، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاقّ إلّا ليكون تذكرة. وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون «تذكرة» حالا ومفعولا له ، أي : إلّا تذكّرا أو للتذكير.
(لِمَنْ يَخْشى) لمن في قلبه خشية ورقّة تتأثّر بالإنذار. أو لمن علم الله منه أنّه يخشى بالتخويف منه ، فإنّه المنتفع به.
(تَنْزِيلاً) نصب بإضمار فعله ، أي : نزّل تنزيلا. أو بـ «يخشى» أي : لمن يخشى تنزيل الله. أو على المدح ، أو البدل من «تذكرة» إن جعل حالا. وإن جعل مفعولا له فلا ، لأنّ الشيء لا يعلّل بنفسه ولا بنوعه. وقيل : قوله : «أنزلنا ... إلخ» حكاية لكلام جبرئيل والملائكة النازلين معه.
(مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) متعلّقه إمّا «تنزيلا» نفسه ، فيقع صلة له.
__________________
(١) راض المهر : ذلّله وطوّعه وعلّمه السير ، فهو رائض. والمهر : ولد الفرس.