للكافرين ، افتتح هذه السورة بالقرآن ، وأنّه أنزله لسعادته لا لشقاوته ، فقال جلّ اسمه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه) فخّمها ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وقالون عن نافع ويعقوب على الأصل. وفخّم الطاء وحده أبو عمرو ، لاستعلائه. وكذا ورش عن نافع. وأمالهما الباقون. وهما من أسماء الحروف.
وما قيل : إنّ طاها في لغة عكّ بن عدنان ـ أخي معدّ ، أبي قبيلة من اليمن ـ بمعنى : يا رجل ، فإن صحّ فلعلّ أصله : يا هذا ، فتصرّف عكّ فيه بأن قلبوا الياء طاء ، فقالوا : في «يا» «طا» واختصروا «هذا» على : ها. واستشهد بقوله :
إنّ السفاهة طاها في خلائقكم |
|
لا قدّس الله أخلاق الملاعين |
وضعّف بجواز أن يكون قسما ، كقوله : حم لا ينصرون.
ويحتمل أن يكون أصل «طه» : طأها ، أمر بالوطي ، والألف مبدلة من الهمزة ، والهاء كناية عن الأرض ، لما روي عن الصادق عليهالسلام : «أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقوم في تهجّده على إحدى رجليه حتّى تورّمت ، فأمر بأن يطأ الأرض بقدميه معا».
لكن يردّ ذلك كتابتهما على صورة الحرف. وكذا التفسير بـ : «يا رجل. ويجوز أنّه اكتفي بشطري الكلمتين ، وعبّر عنهما باسمهما. والله أعلم بصحّة هذين القولين. والأقوال الّتي قدّمتها في أوّل سورة البقرة هي التي يعوّل عليها الألبّاء المتقنون.
(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) خبر «طه» إن جعلته مبتدأ ، على أنّه مأوّل بالسورة أو القرآن ، والقرآن فيه واقع موقع العائد. وجواب إن جعلته مقسما به. ومنادى له إن جعلته نداء. واستئناف إن كانت جملة فعليّة أو اسميّة بتقدير مبتدأ ، أو طائفة من الحروف محكيّة.
والمعنى : ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسّفك على كفر قريش ، إذ ما عليك إلّا أن تبلّغ وتذكّر ، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة ، بعد أن لم تفرّط في أداء الرسالة