تتّقد ، وسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نورا عظيما ، لم تكن الخضرة تطفئ النار ، ولا النار تحرق الخضرة ، فعلم أنّه لأمر عظيم ، فخاف وبهت ، فألقيت عليه السكينة ، ثمّ نودي.
وكانت الشجرة عوسجة.
وروي : كلّما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت.
وعن ابن إسحاق : لمّا دنا استأخرت عنه ، فلمّا رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة ، فلمّا أراد الرجعة دنت منه.
قال وهب : نودي من الشجرة فقيل : يا موسى. فقال : إنّي أسمع صوتك ، ولا ارى مكانك ، فأين أنت؟ فقال : أنا فوقك ومعك ، وأمامك وخلفك ، وأقرب إليك من نفسك.
فعلم أنّ ذلك لا ينبغي إلّا لربّه عزوجل ، وأيقن به.
وقال ابن عبّاس : لمّا توجّه نحو النار فإذا النار في شجرة عنّاب ، فوقف متعجّبا من حسن ضوء تلك النار ، وشدّة خضرة تلك الشجرة ، فسمع النداء : يا موسى أنا ربّك.
(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أمره بذلك لأنّ الحفوة تواضع وأدب ، ولذلك طاف السلف بالكعبة حافين. وعن السدّي : أمر بخلع النعلين لأنّهما كانتا من جلد حمار ميّت غير مدبوغ. وقيل : كانت من جلد بقرة ذكيّة ، ولكنّه أمر بخلعهما ليباشر الوادي بقدميه متبرّكا به. ومنهم من استعظم دخول الكعبة بنعليه ، وكان إذا ندر منه الدخول متنعّلا تصدّق.
والقرآن يدلّ على أنّ ذلك احترام للبقعة ، وتعظيم لها ، وتشريف لقدسها ، فإنّه قال مستأنفا : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) تعليلا للأمر باحترام البقعة. وروي أنّه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي.
وقيل : معناه : فرّغ قلبك من الأهل والمال ، ومن جميع ما سوى الله ، لأنّك جئت بالبقعة المقدّسة المباركة.
(طُوىً) عطف بيان للوادي. ونوّنه ابن عامر والكوفيّون بتأويل المكان. وقيل : هو كثنى (١) ، من الطيّ ، مصدر لـ «نودي» أي : نودي نداءين. يقال : ناديته طوى ، أي :
__________________
(١) الثنى : الأمر يعاد مرّتين.