والروائح والمنافع ، يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم. فلذلك قال : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) وهو حال من ضمير «فأخرجنا» على إرادة القول ، أي : أخرجنا أصناف النبات قائلين : كلوا وارعوا. والمعنى : آذنين في الانتفاع بها ، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول الناهية عن اتّباع الباطل وارتكاب القبائح. جمع نهية.
(مِنْها خَلَقْناكُمْ) فإنّ التراب أصل خلقة أوّل آبائكم ، وهو آدم عليهالسلام ، وأوّل موادّ أبدانكم. وقيل : إنّ الملك لينطلق فيأخذ من تربة المكان الّذي يدفن فيه ، فيبدّدها على النطفة ، فيخلق من التراب والنطفة معا. (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) بالموت وتفكيك الأجزاء (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) بتأليف أجزائكم المتفتّتة المختلطة بالتراب على الصورة السابقة ، وردّ الأرواح إليها.
والحاصل : أنّ موسى عليهالسلام عدّد عليهم في هذه الآيات ما علق بالأرض من مرافقهم ، حيث جعلها الله لهم فراشا ومهادا يتقلّبون عليها ، وسوّى لهم فيها مسالك يتردّدون فيها كيف شاؤوا ، وأنبت فيها أصناف؟؟ النبات الّتي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم ، وهي أصلهم الّذي منه تفرّعوا ، وأمّهم الّتي منها ولدوا ، ثمّ هي كفاتهم (١) إذا ماتوا ، ومن ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تمسّحوا بالأرض ، فإنّها بكم برّة».
(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤))
__________________
(١) كفات الأرض : ظهرها للأحياء ، وبطنها للأموات.