ثمّ زاد في الإخبار عن الله تعالى ، فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) مرفوع بأنّه صفة لـ «ربّي» أو خبر لمبتدأ محذوف. أو منصوب على المدح. والمهد مصدر سمّي به ما يمهّد للصبيّ. وقرأ به الكوفيّون هنا وفي الزخرف (١) ، أي : كالمهد تتمهّدونها. والباقون : مهادا. وهو اسم ما يمهّد ، كالفراش ، أو جمع مهد. ولم يختلفوا في الّذي في النبأ (٢).
(وَسَلَكَ) وحصّل (لَكُمْ فِيها سُبُلاً) بين الجبال والأودية والبراري ، تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها.
(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَخْرَجْنا بِهِ) التفت من لفظ الغيبة إلى صيغة التكلّم على الحكاية لكلام الله عزوجل ، إيذانا بأنّه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره ، وتذعن الأجناس المتفاوتة لمشيئته ، لا يمتنع شيء على إرادته. ومثله قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) (٣). (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) (٤). (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) (٥).
وفيه وجه تخصيص أيضا بأنّا نحن نقدر على مثل هذا ، ولا يدخل تحت قدرة أحد.
(أَزْواجاً) أصنافا. سمّيت بذلك لازدواجها ، واقتران بعضها مع بعض (مِنْ نَباتٍ) بيان وصفة لـ «أزواجا». وكذلك (شَتَّى). ويحتمل أن يكون صفة للنبات ، فإنّه من حيث إنّه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع. وهو جمع شتيت ، كمريض ومرضى ، أي : متفرّقات ومختلفات في الصور وسائر الأغراض ، من الطعوم والألوان
__________________
(١) الزخرف : ١٠.
(٢) النبأ : ٦.
(٣) الأنعام : ٩٩.
(٤) فاطر : ٢٧.
(٥) النمل : ٦٠.