(مِنَ الرَّحْمَةِ) من فرط رحمتك عليهما ، لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله إليهما ، فإنّ الولد أحوج خلق الله إلى الوالدين.
(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية ، ولا تكتف برحمتك الفانية ، وإن كانا كافرين ، لأنّ من الرحمة أن يهديهما (كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) رحمة مثل رحمتهما عليّ ، وإرشادهما لي في صغري ، وفاء بوعدك للراحمين.
روي أنّ رجلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ أبويّ بلغا من الكبر أنّي ألي منهما ما وليا منّي في الصغر ، فهل قضيتهما حقّهما؟ قال : لا ، فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبّان بقاءك ، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما».
وشكا رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أباه ، وأنّه يأخذ ماله. فدعا به فإذا شيخ يتوكّأ على عصا ، فسأله. فقال : إنّه كان ضعيفا وأنا قويّ ، وفقيرا وأنا غنيّ ، فكنت لا أمنعه شيئا من مالي ، واليوم أنا ضعيف وهو قويّ ، وأنا فقير وهو غنيّ ، ويبخل عليّ بماله! فبكى صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : «ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلّا بكى. ثمّ قال للولد : أنت ومالك لأبيك ، أنت ومالك لأبيك».
وشكا إليه آخر سوء خلق أمّه. فقال : «لم تكن سيّئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟ قال : إنّها سيّئة الخلق. قال : لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين! قال : إنّها سيّئة الخلق. قال : لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها ، وأظمأت نهارها! قال : لقد جازيتها.
قال : ما فعلت؟ قال : حججت بها على عاتقي. قال : ما جزيتها ولو طلقة» يعني : ولو كان المجزيّ به طلقة ، وهو وجع المخاض.
وعنه عليهالسلام : «إيّاكم وعقوق الوالدين ، فإنّ الجنّة توجد ريحها من مسيرة ألف عام ، ولا يجد ريحها عاقّ ، ولا قاطع رحم ، ولا شيخ زان ، ولا جارّ إزاره خيلاء ، وإنّ الكبرياء لله ربّ العالمين».
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) من قصد البرّ إليهما ، واعتقاد ما يجب لهما من