بمعنى : ذي سحر. أو بتسمية الساحر سحرا على المبالغة. أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان ، لأنّه يكون سحرا وغير سحر ، كما تبيّن المائة بدرهم. ونحوه : علم فقه وعلم نحو.
وإنّما وحّد الساحر ، لأنّ المراد به الجنس المطلق ، لا معنى العدد ، فلو جمع لخيّل أنّ المقصود هو العدد. ولذلك قال : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أي : هذا الجنس. وتنكير الأوّل لتنكير المضاف ، لا من أجل تنكيره في نفسه ، كقول العجاج :
يوم ترى النفوس ما أعدّت |
|
في سعي دنيا طالما قد مدّت (١) |
أي : في سعي دنيويّ. فكأنّه قيل : إن ما صنعوا كيد سحريّ.
(حَيْثُ أَتى) حيث كان وحيث أقبل. وقيل : معناه : لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره ، لأنّ الحقّ يبطله.
روي : أنّه لمّا ألقى موسى عصاه صارت حيّة وطافت حول الصفوف حتّى رآها الناس كلّهم ، ثمّ قصدت الحبال والعصيّ فابتلعتها كلّها على كثرتها ، ولم يبق منها شيء على وجه الأرض ، ثمّ أخذها موسى فعادت عصاه كما كانت ، فتحقّق عند السحرة أنّه ليس بسحر ، وإنّما هو من آيات الله ومعجزة من معجزاته.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) فألقاهم ذلك على وجوههم (سُجَّداً) ساجدين لله توبة عمّا صنعوا ، وإعتابا (٢) لله ، وتعظيما لما رأوا.
(قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) قدّم هارون لكبر سنّه ، أو لرؤوس الآي. أو لأنّ فرعون ربّى موسى في صغره ، فلو اقتصر على موسى أو قدّم ذكره فربما توهّم أنّ المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع.
وفي الكشّاف : «سبحان الله ما أعجب أمرهم! قد ألقوا حبالهم وعصيّهم للكفر والجحود ، ثمّ ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين!
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «أي : أمهلت ، من : مدّه الله في الغيّ ، أمهله. منه».
(٢) أي : إرضاء له. من : أعتبه ، أزال عتبه ، وترك ما كان يغضب عليه لأجله وأرضاه.