ثمّ اعتذر للعجلة بقوله : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) حرصا على تعجيل رضاك ، أي : لأزداد رضا إلى رضاك ، فإنّ المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مزيّة مرضاتك.
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ) أي : ابتليناهم وامتحنّاهم بعبادة العجل ، وبما حدث فيهم من أمره ، بأن شدّدنا عليهم التكليف ، وألزمناهم عند ذلك النظر ليعلموا أنّه ليس بإله (مِنْ بَعْدِكَ) من بعد انطلاقك (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) أي : دعاهم إلى الضلال فقبلوا منه ، وضلّوا عند دعائه. أضاف سبحانه الفتنة إلى نفسه والضلال إلى السامريّ ، ليدلّ على أنّ الفتنة غير الإضلال كما فسّرنا.
وقيل : المعنى : عامله بهم معاملة المختبر المبتلي ، ليظهر لغيرنا المخلص منهم من المنافق ، فيوالي المخلص ، ويعادي المنافق.
وأراد بالقوم المفتونين الّذين خلّفهم موسى عليهالسلام مع هارون. وكانوا ستّمائة ألف ، ما نجا من عبادة العجل منهم إلّا اثنا عشر ألفا.
والسامريّ منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل : السامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم. وقيل : كان من أهل باجرما (١) بالقصر ، وهو موضع. وقيل : كان علجا (٢) من كرمان ، واسمه موسى بن ظفر ، وكان منافقا قد أظهر الإسلام ، وكان من قوم يعبدون البقر.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) بعد ما استوفى الأربعين : ذا القعدة وعشر ذي الحجّة ، وأخذ التوراة (غَضْبانَ) عليهم (أَسِفاً) حزينا ، أو جزعا متلهّفا بما فعلوا. وفي الكشّاف : «الأسف : الشديد الغضب. ومنه قوله عليهالسلام في موت الفجأة : رحمة للمؤمن ،
__________________
(١) باجرما : قرية من أعمال البليخ قرب الرقّة من أرض الجزيرة. معجم البلدان ١ : ٣١٣.
(٢) العلج : الرجل الضخم القويّ من كفّار العجم. وبعضهم يطلقه على الكافر عموما.