لم يفطنوا له ، وهو أنّ الرسول الّذي جاءك روحانيّ محض لا يمسّ أثره شيئا إلّا أحياه. أو رأيت ما لم تروه ، وهو أنّ جبرئيل جاءك على فرس الحياة. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ، خطابا لموسى وبني إسرائيل.
وقيل : إنّما عرفه لأنّ أمّه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون ، فكان جبرئيل يغذوه حتى استقلّ.
(فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) من تربة موطئه. والقبضة المرّة من القبض فأطلق على المقبوض ، كضرب الأمير. والرسول جبرئيل. ولم يسمّه لأنّه أراد أن ينبّه على الوقت ، وهو حين حلّ ميعاد الذهاب إلى الطور ، فأرسل الله عزوجل إلى موسى جبرئيل راكب حيزوم فرس الحياة ليذهب به ، فأبصره السامريّ فقال : إنّ لهذا شأنا. فقبض قبضة من تربة موطئه. فلمّا سأله موسى عن قصّته قال : قبضت من أثر فرس الرسول الذي جاء به إليك يوم حلول الميعاد. ولعلّه لم يعرف أنّه جبرئيل عليهالسلام.
(فَنَبَذْتُها) في الحليّ المذاب ، أو في جوف العجل حتّى حيي (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) زيّنته وحسّنته إليّ.
قال الصادق عليهالسلام : «إنّ موسى قصد أن يقتل السامريّ ، فأوحى الله تعالى إليه : لا تقتله يا موسى ، فإنّه سخيّ».
فعند ذلك (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) عقوبة على ما فعلته (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) خوفا من أن يمسّك أحد فيأخذك الحمّى ومن مسّك. فصار السامريّ يهيم في البرّيّة مع الوحش والسباع ، ولا يمسّ أحدا ، ولا يمسّه أحد. يعني : عاقبه الله تعالى في الدنيا بعقوبة لا شيء أطمّ (١) منها وأوحش ، فإنّه منع من مخالطة الناس منعا كلّيا ، وحرّم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته ، وكلّ ما يعايش به الناس بعضهم بعضا. وإذا اتّفق أن يماسّ أحدا ـ رجلا أو امرأة ـ حمّ الماسّ والممسوس ، فتحامى الناس وتحاموه.
__________________
(١) أي : أعظم وأدهى ، من : طمّ الأمر ، إذا عظم وتفاقم. ولذا قيل للقيامة : الطامّة الكبرى.