أوجب ، حتى إن لم يقم عنّف وقيل له : قد قام فلان وفلان فمن أنت حتّى تترفّع عن القيام؟
فإن قلت : فكيف صحّ استثناؤه وهو جنّي من الملائكة؟
قلت : عمل على حكم التغليب في إطلاق اسم الملائكة عليهم وعليه ، فأخرج الاستثناء على ذلك ، كقولك : خرجوا إلّا فلانة ، لامرأة بين الرجال» (١).
ومزيد تحقيق البحث في هذا المبحث قد سبق (٢) في سورة البقرة.
وقوله : (أَبى) جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السجود ، وهو الاستكبار ، كأنّه جواب قائل قال : لم لم يسجد؟ والوجه أن لا يقدّر له مفعول ، وهو السجود المدلول عليه بقوله : «فسجدوا» ، وأن يكون معناه : أظهر الإباء عن المطاوعة.
(فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما) فلا يكوننّ سببا.
لإخراجكما. والمراد نهيهما عن أن يكونا بحيث يسبّب الشيطان إلى إخراجهما. (مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) فتحرم من نعيمها. أفرده بإسناد الشقاء إليه بعد إشراكهما في الخروج ، اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها ، من حيث إنّه قيّم عليها ، فإنّ الرجل قيّم أهله ، لقوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (٣). فشقاوتها وسعادتها في ضمن شقاوته وسعادته. مع المحافظة على الفواصل. أو لأنّ المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش والاكتساب ، وذلك وظيفة الرجال.
وعن سعيد بن جبير : أنّه أهبط إلى آدم ثور أحمر ، فكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه ، فذلك هو الشقاوة.
ويؤيّده قوله مستأنفا لتذكير ما له في الجنّة بلا تعب : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) في الجنّة (وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) لا تعطش (فِيها وَلا تَضْحى) ولا يصيبك حرّ
__________________
(١) الكشّاف ٣ : ٩١.
(٢) راجع ج ١ ص ١٣٢.
(٣) النساء : ٣٤.