أمر بني آدم على ذلك ، وعرقهم راسخ فيه.
(وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) عقدا لازما ، وتصميم رأي ، وثباتا على الأمر ، إذ لو كان ذا عزيمة وتصلّب لم يزلّه الشيطان ، ولم يستطع تغريره. ويحتمل أن يكون ذلك في بدء أمره ، قبل أن يجرّب الأمور ، ويذوق شريها وأريها (١).
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه ، وقد قال الله تعالى : «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً».
وقيل : عزما على الذنب ، لأنّه أخطأ ولم يتعمّد. و «لم نجد» إن كان من الوجود الّذي بمعنى العلم فـ «له عزما» مفعولاه. وإن كان من الوجود المناقض للعدم ـ بمعنى : وعدمنا له عزما ـ فـ «له» حال من «عزما» أو متعلّق بـ «نجد».
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) مقدّر بـ : «اذكر ، أي : واذكر وقت ما جرى عليه من معاداة إبليس ، ووسوسته إليه ، وتزيينه له الأكل من الشجرة ، وطاعته له بعد ما تقدّمت معه النصيحة والموعظة البليغة ، والتحذير من كيده ، حتّى يتبيّن لك أنّه نسي ولم يكن من أولي العزيمة والثبات.
(فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) وفي الكشّاف : «إن قلت : إبليس كان جنّيّا ، بدليل قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٢). فمن أين تناوله الأمر وهو للملائكة خاصّة؟
قلت : كان في صحبتهم ، وكان يعبد الله تعالى عبادتهم ، فلمّا أمروا بالسجود لآدم عليهالسلام والتواضع له كرامة له ، كان الجنّي الّذي معهم أجدر بأن يتواضع ، كما لو قام لمقبل على المجلس علية (٣) أهله وسراتهم ، كان القيام على واحد بينهم هو دونهم في المنزلة
__________________
(١) الشري : الحنظل. والأري : العسل. والمعنى : أن ذلك قبل أن يجرّب الأمور ، ويذوق مرّها وحلوها.
(٢) الكهف : ٥٠.
(٣) علية القوم : جلّتهم وأشرافهم. والسراة : السيّد الشريف.