وفيه إشعار بأنّه كما يدلّ على نبوّته ، برهان لما في سائر الكتب المنزلة ، ودليل صحّته ، لأنّه معجزة ، وتلك ليست كذلك ، بل هي مفتقرة إلى حجّة تشهد على صحّتها.
وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص : أو لم تأتهم بالتاء. والباقون بالياء.
ولمّا كان حقيقة المعجزة اختصاص مدّعي النبوّة بنوع من العلم أو العمل على وجه خارق للعادة ، ولاخفاء على من له أدنى مسكة أنّ العلم أصل العمل ، وأعلى منه قدرا ، وأبقى أثرا ، فالقرآن الّذي أعجزهم عن إتيان مثل آية منه ، مع أنّهم أفصح فصحاء العرب وأبلغ بلغائهم ، المشتمل على خلاصة العقائد الحقّة وقواعد الأحكام السنيّة التي في الكتب السالفة ، مع أميّة الآتي به ، أبين المعجزات وأمتن البيّنات.
وقيل : معناه : أو لم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب الأولى من أنباء الأمم الّتي أهلكناهم ، لمّا اقترحوا الآيات ثمّ كفروا بها ، فما ذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآية كحال أولئك؟
(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل بعث محمد ، أو البيّنة والتذكير ، لأنّها في معنى البرهان. أو المراد بها نزول القرآن. (لَقالُوا) يوم القيامة (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) يدعونا إلى طاعتك ، ويرشدنا إلى دينك (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) فنعمل بما فيها (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) بالقتل والسبي في الدنيا (وَنَخْزى) بدخول النار يوم القيامة. فقطعنا عذرهم بإرسال الرسل ، فلم يبق لهم معذرة.
وفيه دلالة على وجوب اللطف ، فإنّه إنّما بعث الرسول لكونه لطفا ، ولو لم يبعثه لكان للخلق حجّة عليه سبحانه ، فكان في البعثة قطع العذر وإزاحة العلّة.
ثمّ قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ كُلٌ) أي : كلّ واحد منّا ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم. فنحن ننتظر وعد الله لنا فيكم ، وأنتم تتربّصون بنا الدوائر.
(فَتَرَبَّصُوا) أمر على وجه التهديد (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ)