القرى الّتي أرادها الله بهذه الآية.
ثمّ بيّن حالهم ومقالهم حين مشاهدة العذاب بقوله : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) فلمّا أدرك أهل القرى شدّة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس. يعني : فلمّا علموا شدّة عذابنا وبطشتنا علم حسّ ومشاهدة ، لم يشكّوا وأدركوا بحواسّهم. (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) يهربون مسرعين راكضين دوابّهم. أو مشبّهين بهم من فرط إسراعهم. والركض ضرب الدابّة بالرجل.
فقيل لهم استهزاء : (لا تَرْكُضُوا) إمّا بلسان الحال ، أي : إنّهم خلقاء (١) بأن يقال لهم ذلك. أو المقال ، والقائل ملك أو من ثمّ من المؤمنين. (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) من التنعّم والتلذّذ. والإتراف : إبطار النعمة ، وهي : الترفة. (وَمَساكِنِكُمْ) الّتي كانت لكم (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ).
تهكّم بهم وتوبيخ ، أي : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلّكم تسألون عن أموالكم ، وعمّا جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم ، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة ، وتجتهدوا في دفع هذه البليّة والعقوبة عنكم. أو تعذّبون ، فإنّ السؤال من مقدّمات العذاب.
أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم ، وترتّبوا في مراتبكم ، حتّى يسألكم عبيدكم وحشمكم ، ومن تملكون أمره وينفذ فيه أمركم ونهيكم ، ويقولوا لكم : بم تأمرون كعادة المتنعّمين؟ أو يسألكم الناس في نوازل الخطوب ، ويستشيرونكم في المهمّات والنوازل ، ويستشفون بتدابيركم ، ويستضيئون بآرائكم. أو يسألكم الوافدون عليكم والطمّاع ، ويستمطرون سحائب أكفّكم ، ويمترون (٢) أخلاف معروفكم وأياديكم. وذلك إمّا لأنّهم كانوا أسخياء ، ينفقون أموالهم رئاء الناس وطلب الثناء. أو كانوا بخلاء ، فقيل لهم
__________________
(١) جمع خليق بمعنى : جدير ، أي : جدراء.
(٢) أي : يستدرّون. والخلف : حلمة ضرع الناقة. وجمعه : أخلاف.