وتقرير ذلك : أنّه لو كان مع الله سبحانه إله آخر لكانا قديمين ، والقدم من أخصّ الصفات ، فالاشتراك فيه يوجب التماثل ، فيجب أن يكونا قادرين عالمين حيّين. ومن حقّ كلّ قادرين أن يصحّ كون أحدهما مريدا لضدّ ما يريده الآخر ، من إماتة وإحياء ، أو تحريك وتسكين ، أو إفقار وإغناء ، ونحو ذلك. فإذا فرضنا ذلك فلا يخلو : إمّا أن يحصل مرادهما ، وذلك محال ، لاجتماع النقيضين. وإمّا أن لا يحصل مرادهما ، فينتقض كونهما قادرين. وإمّا أن يقع مراد أحدهما ولا يقع مراد الآخر ، فينتقض كون من لم يقع مراده قادرا. فإذا لا يجوز أن يكون الإله إلّا واحدا.
ولو قيل : إنّهما لا يتمانعان ، لأنّ ما يريده أحدهما يكون حكمة ، فيريده الآخر بعينه.
والجواب : أنّ كلامنا في صحّة التمانع ، لا في وقوع التمانع. وصحّة التمانع يكفي في الدلالة ، لأنّه يدلّ على أنّه لا بدّ من أن يكون أحدهما متناهي المقدور دون الآخر ، فلا يجوز أن يكون إلها.
ثمّ نزّه سبحانه ذاته عن أن يكون معه إله ، فقال : (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ) المحيط بجميع الأجسام ، الّذي هو محلّ التدابير ، ومنشأ التقادير. ولهذا خصّه بالذكر.
(عَمَّا يَصِفُونَ) من اتّخاذ الشريك والصاحبة والولد.
(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) لعظمته ، وقوّة سلطانه ، وتفرّده بالألوهيّة والسلطنة الذاتيّة.
وإذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم ، وعمّا يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم ، تهيّبا وإجلالا ، مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد عليهم ، كان ملك الملوك وربّ الأرباب وخالقهم ورازقهم أولى بأن لا يسأل عن أفعاله ، مع ما علم واستقرّ في العقول من أنّ ما يفعله كلّه مفعول بدواعي الحكمة ، ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح.
(وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأنّهم مملوكون مستعبدون خطّاؤن. فما أخلقهم بأن يقال لهم :