المدينة. تريد : مكّي أو مدنيّ.
ومعنى نسبتها إلى الأرض : الإيذان بأنّها الأصنام الّتي تعبد في الأرض ، لأنّ الآلهة على ضربين : أرضيّة وسماويّة. ومن ذلك حديث الأمة الّتي قال لها رسول الله : «أين ربّك؟ فأشارت إلى السماء. فقال : إنّها مؤمنة».
لأنّه فهم منها أنّ مرادها نفي الآلهة الأرضيّة الّتي هي الأصنام ، لا إثبات السماء مكانا لله عزوجل. ففائدة قوله : «من الأرض» التحقير دون التخصيص.
ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض ، لأنّها إمّا أن تنحت من بعض الحجارة ، أو تعمل من بعض جواهر الأرض.
ثمّ دلّ سبحانه على توحيده ، فقال : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) غير الله. وصفت بـ «إلّا» لمّا تعذّر الاستثناء ، لعدم الجزم بشمول ما قبلها لما بعدها ليكون متّصلا ، ولا بعدمه ليكون منفصلا. ولا يجوز الرفع على البدل ، لأنّ «لو» بمنزلة «إن» في أنّ الكلام معه موجب ، والبدل لا يسوغ إلّا في كلام غير موجب ، كقوله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) (١). وذلك لأنّ أعمّ العامّ يجوز نفيه ، ولا يصحّ إيجابه ، لأنّه يصحّ أن يقال : ما في الدار إلّا زيد ، ولا يصحّ : في الدار جميع الأشياء إلّا زيد.
والمعنى : لو كان يتولّاهما ويدبّر أمرهما آلهة شتّى غير الواحد الّذي هو فاطرهما (لَفَسَدَتا) لبطلتا ، لما يكون بينهما من الاختلاف والتمانع ، فإن توافقت على المراد تطاردت عليه القدر ، وإن تخالفت تعاوقت عنه.
وفيه دلالة على أمرين : أحدهما : وجوب أن لا يكون مدبّرهما إلّا واحدا. والثاني : أن لا يكون ذلك الواحد إلّا إيّاه وحده ، لقوله : «إلّا الله». وذلك لعلمنا أنّ الرعيّة تفسد بتدبير الملكين ، لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف. وهو ظاهر.
وفي هذا دليل التمانع الّذي بنى عليه المتكلّمون مسألة التوحيد.
__________________
(١) هود : ٨١.