ويذرون ممّا قدّموا وأخّروا بعين الله ، وهو مجازيهم عليه ، فيضبطون أنفسهم ، ويراعون أحوالهم ، ويحافظون أوقاتهم. ومن تحفّظهم أنّهم لا يجسرون أن يشفعوا ، مع أنّهم أشرف الخلائق وأعلى مرتبة منهم ، كما قال : (وَلا يَشْفَعُونَ) مهابة منه (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) لمن ارتضاه الله أن يشفع له.
(وَهُمْ) مع هذا كلّه (مِنْ خَشْيَتِهِ) من خشيته ومهابته وعظمته (مُشْفِقُونَ) خائفون وجلون مرتعدون من التقصير في عبادته.
وأصل الخشية خوف مع تعظيم ، ولذلك خصّ بها العلماء. والإشفاق خوف مع اعتناء ، فإن عدي بـ «من» فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإن عدي بـ «على» فبالعكس.
وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنّه رأى جبرئيل ليلة المعراج ساقطا كالحلس (١) من خشية الله عزوجل».
وبعد أن وصف كرامتهم عليه ، وقرب منزلتهم عنده ، وأثنى عليهم ، وأضاف إليهم تلك الأفعال السنيّة ، والأعمال المرضيّة ، عقّبها بالوعيد الشديد ، وأنذر بعذاب جهنّم من أشرك منهم ، وإن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل ، مع إحاطة علمه بأنّه لا يكون ، قصدا بذلك تفظيع أمر الشرك ، وتهديد أهله ، وتعظيم شأن التوحيد وأهله ، فقال : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) من الملائكة. أو منهم ومن سائر الخلائق. (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) يريد به نفي البنوّة ، ونفي ادّعاء ذلك عن الملائكة ، وتهديد المشركين (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) من ظلم بالإشراك وادّعاء الربوبيّة.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي
__________________
(١) الحلس : ما يوضع على ظهر الدابّة ، أو يبسط في البيت على الأرض تحت الثياب والمتاع.