العذاب. ولا يقدرون على دفع ما ينزل بهم عن نفوسهم. (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) ولا يصحبهم النصر والتأييد من الله. ومن لا يقدر على نصر نفسه ، ولا يصحبه نصر من الله ، فكيف يمنع غيره وينصره؟! ثمّ أضرب عمّا توهّموا ، ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم ، وهو الاستدراج والتمتيع بما قدّر لهم من الأعمار. أو أضرب عن الدلالة على بطلانه ، ببيان ما أوهمهم ذلك ، فقال : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) أمهلناهم (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي : بل ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنّما هو بتمتيعنا إيّاهم بالحياة الدنيا وإمهالنا ، كما متّعنا غيرهم من الكفّار ، وأمهلناهم حتّى طال عليهم الأمد ، وامتدّت بهم أيّام الروح والطمأنينة ، فحسبوا أن لا يزالوا كذلك ، لا يغلبون ، ولا ينزع عنهم ثوب أمنهم واستمتاعهم ، وذلك طمع فارغ ، وأمل كاذب.
ثمّ عقّبه بما يدلّ على أنّه أمل كاذب ، فقال : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) أي : يأتي أمرنا أرض الكفرة (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) بتسليط المسلمين عليها ، وإظهارهم على أهلها ، وردّها إلى دار الإسلام. أسند سبحانه الإتيان والنقص إلى ذاته تعالى ، تصويرا لما كان الله يجريه على أيدي المسلمين ، وأنّ عساكرهم وسراياهم كانت تغزوا أرض المشركين ، وتأتيها غالبة عليها ، ناقصة من أطرافها ، أرضا فأرضا ، وقوما فقوما ، فيأخذون قراهم وأرضهم.
(أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين. الهمزة للإنكار ، أي : ليسوا بغالبين ، ولكنّهم المغلوبون ، ورسول الله وناصروه هم الغالبون.
(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ