وبعد ذكر الأنبياء الصابرين على البلاء ، بيّن قصّة يونس ، وترك ندبه الّذي هو عدم ثباته على الصبر ، تنبيها للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على الإقدام بفعل الذنب ، لئلّا يعاتب كما عوتب يونس ، فقال : ى(وَذَا النُّونِ) واذكر يا محمّد صاحب الحوت يونس بن متّى (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) لقومه ، لمّا برم (١) بقومه ، لطول ما ذكّرهم فلم يذكروا ، لفرط عنادهم ، وشدّة شكيمتهم ، فهاجر عنهم قبل أن يؤمر.
وقيل : وعدهم بالعذاب ، فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ، ولم يعرف الحال ، فظنّ أنّه كذبهم ، وغضب من ذلك. والمغاضبة من بناء المغالبة للمبالغة ، أو لأنّه أغضبهم بالمهاجرة ، لخوفهم لحوق العذاب عندها.
(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) لن نضيّق عليه ، من القدر بسكون الدال. أو لن نقضي عليه بالابتلاء ، من القدر بمعنى القضاء. أو لن نعمل فيه قدرتنا.
وقيل : هو من باب التمثيل. بمعنى : كانت حاله ممثّلة بحال من ظنّ أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه ، من غير انتظار لأمرنا. وذلك لحسبانه أنّ ذلك يسوغ له ، حيث لم يفعله إلّا غضبا لله ، وأنفة لدينه ، وبغضا للكفر وأهله. ولكن كان الأولى به أن يصابر ، وينتظر الإذن من الله في المهاجرة عنهم ، فابتلي ببطن الحوت.
ومن قال : إنّه خرج مغاضبا لربّه ، وأنّه ظنّ أن لن يقدر الله على أخذه ، بمعنى أنّه يعجز عنه ، فقد أسند الكفر إلى الأنبياء والعياذ بالله ، فإنّ مغاضبة الله كفر أو كبيرة عظيمة ، وتجويز العجز على الله سبحانه أيضا كذلك. تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، وتبرّأ أنبياؤه عن هذه المظنّة الفاسدة.
وعن ابن عبّاس : أنّه دخل على معاوية ، فقال له : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلّا بك. قال : وما هي يا معاوية؟ فقرأ هذه
__________________
(١) أي : سئم وضجر.