و «ذلك» إشارة إلى ما نهى عنه خاصّة. وعلى هذا قوله : (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) بدل من «سيّئة» أو صفة لها محمولة على المعنى ، فإنّه بمعنى : سيّئا. وفي الكشّاف : «السيّئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم ، زال عنه حكم الصفات ، فلا اعتبار بتأنيثه» (١).
ويجوز أن ينتصب «مكروها» على الحال من المستكن في «كان» ، أو في الظرف ، على أنّه صفّة «سيّئة».
وفي هذا دلالة واضحة على بطلان قول المجبّرة ، فإنّه سبحانه صرّح بأنّه يكره المعاصي والسيّئات ، وإذا كرهها فكيف يريدها؟! فإنّ من المحال أن يكون الشيء الواحد مرادا ومكروها عنده.
(ذلِكَ) إشارة إلى الأحكام المتقدّمة ، من الأوامر والنواهي (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) الّتي هي معرفة الحقّ لذاته ، ومعرفة الخير للعمل به. وفي الكشّاف : «سمّاه حكمة لأنّه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه» (٢).
(وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) كرّره للتنبيه على أنّ التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ، فإنّ من لا قصد له بطل عمله ، ومن قصد بفعله أو تركه غيره ضاع سعيه ، وأنّه رأس الحكمة وملاكها ، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه ، وإن بذّ (٣) فيها الحكماء ، وحكّ بيافوخه (٤) السماء ، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم ، وهم عن دين الله أضلّ من النعم.
ورتّب عليه أوّلا ما هو عائدة الشرك في الدنيا ، وثانيا ما هو نتيجته في العقبى ، فقال : (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) أي : إذا فعلت ذلك فتلقى وتطرح في النار تلوم نفسك
__________________
(١ ، ٢) الكشّاف ٢ : ٦٦٨.
(٣) بذّه أي : غلبه وفاقه.
(٤) اليافوخ : موضع من رأس الطفل بين عظام جمجمته. يقال : مسّ بيافوخه السماء ، إذا علا قدره وتكبّر.