بدئنا إيّاه. شبّه الإعادة بالإبداء في كونهما إيجادا عن العدم. والمقصود بيان صحّة الإعادة بالقياس المنصوص العلّة على الإبداء ، لشمول الإمكان الذاتي المصحّح للمقدوريّة ، وتناول القدرة القديمة لهما على السواء.
ويجوز أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسّره «نعيده» و «ما» موصولة ، أي : نعيد مثل الّذي بدأناه. و «أوّل خلق» ظرف لـ «بدأنا» أي : أوّل ما خلق. أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ ، الثابت في المعنى.
و «أوّل خلق» بمعنى أوّل الخلائق ، كقولك : زيد أوّل رجل جاءني ، تريد أوّل الرجال ، ولكنّك نكّرته ووحّدته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا.
والمراد بأوّله إيجاده عن العدم ، فكما أوجده أوّلا عن عدم ، يعيده ثانيا عن عدم.
وروي مرفوعا : أنّ معناه : كما بدأناهم في بطون أمّهاتهم حفاة عراق غرلا (١) ، كذلك نعيدهم.
(وَعْداً) مقدّر بفعله تأكيدا لـ «نعيده» أي : وعدناكم ذلك وعدا. أو منتصب به ، لأنّه عدة بالإعادة. (عَلَيْنا) أي : علينا إنجازه (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ذلك لا محالة.
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) في كتاب داود (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) أي : التوراة. وقيل : المراد بالزبور جنس الكتب المنزلة ، وبالذكر اللوح المحفوظ. (أَنَّ الْأَرْضَ) أرض الجنّة. وقيل : الأرض المقدّسة. (يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) يعني : عامّة المؤمنين المطيعين.
وقيل : أمّة موسى عليهالسلام ، لقوله تعالى : (الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) (٢)؟ وقوله : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣).
وقيل : المراد جميع أرض الدنيا يرثها أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالفتوح بعد إجلاء الكفّار ،
__________________
(١) غرلا جمع أغرل ، وهو الصبيّ الذي لم يختن. (٢ ، ٣) الأعراف : ١٣٧ و ١٢٨.