(وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) جنينها لشدّة هولها. (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) على التشبيه ، أي : كأنّهم سكارى من شدّة الخوف وفرط الفزع (وَما هُمْ بِسُكارى) على الحقيقة ، بل يضطربون اضطراب السكران (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) فأرهقهم هوله بحيث طيّر عقولهم ، وأذهب تمييزهم.
وقرأ حمزة والكسائي : سكرى ، كعطشى وجوعى في عطشان وجوعان ، إجراء للسكرى مجرى العلل.
وذكر الرؤية أوّلا على صيغة الجمع وثانيا على الإفراد ، لأنّها أوّلا علّقت بالزلزلة ، فجعل الناس جميعا رائين لها ، وهي معلّقة أخيرا بكون الناس على حال السكر ، فلا بدّ أن يرى أثره كلّ أحد غيره.
روي عن عمران بن الحصين وأبي سعيد الخدري : نزلت هاتان الآيتان ليلا في غزوة بني المصطلق ، وهم حيّ من خزاعة ، والناس يسيرون ، فنادى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فحثّوا المطيّ حتّى كانوا حول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقرأهما عليهم ، فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة.
فلمّا أصبحوا لم يحطّوا السرج عن الدوابّ ، ولم يضربوا الخيام ، والناس من بين باك وجالس حزين متفكّر. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أتدرون أيّ يوم ذاك؟
قالوا : الله ورسوله أعلم.
قال : ذلك يوم يقول الله تعالى لآدم : ابعث إلى النار من ولدك. فيقول آدم : من كم وكم؟ فيقول عزوجل : من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ، وواحد إلى الجنّة.
فكبر ذلك على المسلمين وبكوا ، وقالوا : فمن ينجو يا رسول الله؟
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أبشروا فإنّ معكم خليقتين يأجوج ومأجوج ، ما كانتا في شيء إلّا كثّرتاه. ما أنتم في الناس إلّا كشعرة بيضاء في الثور الأسود ، أو كرقم في ذراع البكر (١) ، أو كشامة (٢) في جنب البعير.
__________________
(١) البكر : الفتيّ من الإبل.
(٢) الشامة : الخال ، وهو أثر السواد في البدن.