(يا أَيُّهَا النَّاسُ) المراد المكلّفون ، لأنّ غيرهم خارجون عن دائرة الخطاب.
فكأنّه قال : يا أيّها العقلاء البالغون. (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) عذاب ربّكم باجتنابكم المعصية ، كما يقال : احذر الأسد ، والمراد : احذر افتراسه لا عينه.
ثمّ علّل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ، ليتصوّروها بعقولهم ، ويعلموا أنّه لا يؤمنهم سوى التدرّع بلباس التقوى ، فقال : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) أي : شدّة تحريكها للأشياء ، بحيث انزعج جميع الأشياء عن مقارّها ومراكزها. والإسناد مجازيّ. أو تحريك الأشياء فيها. فأضيفت إليها إضافة معنويّة ، بتقدير «في». أو إضافة المصدر إلى الظرف على طريقة الاتّساع في الظرف ، وإجرائه مجرى المفعول به ، كقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (١) أي : مكرهم فيهما. وقيل : هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها. وأضافها إلى الساعة لأنّها من أشراطها وآيات مجيئها. (شَيْءٌ عَظِيمٌ) هائل لا يطاق.
(يَوْمَ تَرَوْنَها) ترون الزلزلة أو الساعة. والظرف متعلّق بقوله : (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ). والذهول : الذهاب عن الأمر مع دهشة. وفيه دلالة على أنّ الزلزلة تكون في الدنيا ، فإنّ الإرضاع إنّما يتصوّر في الدنيا. وعن الأكثر أنّ ذلك يوم القيامة. فيكون تصويرا لهولها ، وتفخيما لما يكون من الشدائد ، أي : لو كانت ثمّ مرضعة لذهلت.
و «ما» موصولة ، أي : عن الّذي أرضعته. وهو الطفل. أو مصدريّة ، أي : إرضاعها الولد.
وذكر مرضعة دون مرضع ، لأنّ المرضعة هي الّتي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبيّ ، والمرضع الّتي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به.
فقيل : مرضعة ، ليدلّ على أنّ ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه ، لما يلحقها من الدهشة.
__________________
(١) سبأ : ٣٣.