(ثانِيَ عِطْفِهِ) أي : متكبّرا ، فإنّ ثني العطف (١) كناية عن الكبر والخيلاء ، كليّ الجيد وتصعير الخدّ. يقال : ثنى فلان عطفه ، إذا أمال جانبيه إلى اليمين والشمال. أو كناية عن الإعراض عن الحقّ. فالمعنى : معرضا عن الحقّ استخفافا به. (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) علّة للجدال.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء ، على أنّ إعراضه عن الهدى المتمكّن منه ـ بالإقبال على الجدال الباطل ـ خروج من الهدى إلى الضلال ، ولمّا كان جداله مؤدّيا إلى الضلال ، جعل كأنّه غرضه. ولمّا كان الهدى معرضا له ، فتركه وأعرض عنه ، وأقبل على الجدال بالباطل ، جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال.
فعلى هذا التأويل ؛ لا يرد : ما كان غرضه من جداله الضلال عن سبيل الله ، فكيف علّل به؟ وما كان أيضا مهتديا حتّى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال.
(لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) وهو ما أصابه يوم بدر من الصغار والقتل (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) المحرق. وهو النار.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) على الالتفات. أو إرادة القول ، أي : يقال له يوم القيامة ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي. (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) في تعذيبهم ، لأنّ الله لا يعاقب ابتداء ، ولا يزيد على الجزاء ، بل على طريق العدالة. أو لأنّ عدله في معاقبته الفجّار ، وإثابته الأبرار. والمبالغة لكثرة العبيد.
روي عن ابن عبّاس : أنّ من الأعاريب قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة ، فكان أحدهم إذا صحّ جسمه ، ونتجت فرسه مهرا (٢) سريّا ، وولدت امرأته غلاما سويّا ، وكثر ماله وماشيته ، قال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلّا خيرا ، واطمأنّ به. وإن كان
__________________
(١) العطف : جانب كلّ شيء. والجيد : العنق. وصعّر خدّه : أماله عن النظر إلى الناس. يقال : مرّ ثاني عطفه ، أي : لاويا عنقه ، ومائلا بخدّه عن النظر إلى الناس ، متكبّرا معرضا.
(٢) المهر : ولد الفرس. والسريّ : الجيّد من كلّ شيء.