يمنعه مانع.
ثم قال : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) أي : لن ينصر رسوله (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) وهذا كلام فيه اختصار. والمعنى : إن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة ، فمن كان يظنّ من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ، ويتوقّع ذلك ، ويغيظه أنّه يظفر بمطلوبه (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي : فليستقص وسعه ، وليستفرغ مجهوده في إزالة غيظه أو جزعه ، بأن يفعل كلّ ما يفعله الممتلئ غيضا أو المبالغ جزعا ، حتّى يمدّ حبلا إلى سماء بيته ، أي : سقفه (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) ليختنق. من : قطع إذا اختنق ، فإن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه. ومنه قيل للبهر : القطع. وهو العلّة الّتي تمنع التنفّس. أو فليمدد حبلا إلى السماء الدنيا ، ثمّ ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانها ، فيجتهد في دفع نصره. أو ليصعد إلى السماء ، فليقطع الوحي أن ينزل على الرسول. وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر : ليقطع بكسر اللام على أصله.
(فَلْيَنْظُرْ) فليتصوّر في نفسه أنّه إن فعل ذلك (هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) فعله ذلك.
وسمّاه كيدا لأنّه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره ، فهو منتهى ما يقدر عليه.
أو على سبيل الاستهزاء ، لأنّه لم يكد به محسوده ، بل إنّما كاد به نفسه. والمراد : ليس في يده إلّا ما ليس بمذهب. (ما يَغِيظُ) غيظه ، أو الّذي يغيظه. والمعنى : لا يتهيّأ له إزالة ما يغيظ من أمر الرسول ونصره على أعدائه ، وإن سعى به غاية سعيه ونهاية جهده.
قيل : نزلت في قوم من المسلمين استبطئوا نصر الله ، لاستعجالهم وشدّة غيظهم على المشركين.
وقيل : المراد بالنصر الرزق ، والضمير لـ «من». والمعنى : أنّ الأرزاق بيد الله ، لا تنال إلّا بمشيئته ، ولا بدّ للعبد من الرضا بقسمته. فمن ظنّ أنّ الله عزوجل غير رازقه ، وليس به صبر واستسلام ، فليبلغ غاية الجزع ، وهو الاختناق ، فإنّ ذلك لا يقلب القسمة ، ولا يردّه مرزوقا.