(أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم؟ الخطاب للرسول ، والمراد أمّته. أو الخطاب إلى كلّ واحد من المكلّفين. (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ) يتسخّر لقدرته ، لا يتأنّى عن تدبيره (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أو يدلّ بذلّته على عظمة مدبّره. و «من» يجوز أن يعمّ أولي العقل وغيرهم على التغليب. فيكون قوله : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) إفرادا لها بالذكر ، لشهرتها ، واستبعاد ذلك منها. سمّيت مطاوعتها وذلّتها له فيما يحدث فيها من أفعاله ، ويجريها عليه من تدبيره ، وتسخيره لها : سجودا له ، تشبيها لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلّف في باب الطاعة والانقياد ، وهو السجود الّذي كلّ خضوع دونه.
(وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) عطف على «يسجد» بتقدير فعل مضمر يدلّ عليه المعطوف عليه ، أي : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة. ولا يجوز أن يكون «يسجد» الأوّل عامله ، لأنّه قد أسند على سبيل العموم إلى من في الأرض من الإنس والجنّ أوّلا ، فإسناده إلى كثير منهم آخرا مناقضة. وأيضا تخصيص الكثير يدلّ على خصوص المعنى المسند إليهم ، وما هو إلّا سجود الطاعة والعبادة. ولا يفسّر بمعنى الطاعة والعبادة في حقّ هؤلاء ، وفي حقّ غيرهم بمعنى الانقياد والمطاوعة ، لأنّ اللفظ الواحد لا يصحّ استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين.
ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء ، وخبره محذوف دلّ عليه خبر قسيمه ، نحو : حقّ له الثواب.
(وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) بكفره وإبائه عن الطاعة. ويجوز أن يجعل «وكثير» تكريرا للأوّل ، مبالغة في تكثير المحقوقين بالعذاب ، فيعطف «كثير» على «كثير» ثمّ يخبر عنهم بقوله : (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ). كأنّه قيل : وكثير وكثير من الناس حقّ عليهم العذاب.
(وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) بأن يحكم بشقاوته ، ويدخله النار لأجل عناده وعتوّه (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يكرمه بالسعادة وبإدخال الجنّة ، لأنّه لا يملك العقوبة والمثوبة سواه (إِنَّ اللهَ