(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) تكنّها وتحول دونها عن إدراك الحقّ وقبوله (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفقهوه (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) يمنعهم عن استماعه. يعني : أنّهم في رسوخ الكفر ، والانهماك في العناد ، والتصميم على اللجاج في طريق الاعوجاج ، على وجه كأنّ الله تعالى جعل أكنّة على قلوبهم لئلّا يفقهوا القرآن ، وفي آذانهم صمما لئلّا يستمعوه ، لا أنّه واقع على معناه الظاهري ، فإنّه قبيح غاية القبح ، ومستلزم لتكليف ما لا يطاق ، تعالى الله عن ذلك.
وقال صاحب الكشّاف : «هذه حكاية لما كانوا يقولونه : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (١) كأنّه قال : وإذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم» (٢). وقد مرّ تحقيق ذلك في سورة الأنعام (٣).
وقيل : معناه : أنّا جعلنا بينك وبينهم حجابا. بمعنى : باعدنا بينك وبينهم في القرآن ، فهو لك وللمؤمنين معك شفاء وهدى ، وهو للمشركين في آذانهم وقر وعليهم عمى ، فهذا هو الحجاب. وهذا منقول عن أبي مسلم.
(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) واحدا غير مشفوع به آلهتهم. مصدر وقع موقع الحال. وأصله واحدا وحده. (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) هربا من استماع التوحيد أو تولية. ويجوز أن يكون جمع نافر ، كقاعد وقعود.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن.
قيل : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان يقرأ يقوم عن يمينه رجلان من عبد الدار ، ورجلان منهم عن يساره ، فيصفّقون ويصفّرون ويخلّطون عليه بالأشعار.
(إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ظرف لـ «أعلم». وكذا (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) أي : نحن أعلم
__________________
(١) فصّلت : ٥.
(٢) الكشّاف ٢ : ٦٧٠ ـ ٦٧١.
(٣) راجع ج ٢ ص ٣٧٤ ذيل الآية ٢٥ من سورة الأنعام.