(وَكُذِّبَ مُوسى) غيّر فيه النظم ، وبنى الفعل للمفعول ، لأنّ قومه بنو إسرائيل ولم يكذّبوه ، وإنّما كذّبه القبط. ولأنّ تكذيبه كان اشنع ، لأنّ آياته كانت أعظم وأشيع.
(فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) فأمهلتهم حتّى انصرمت آجالهم المقدّرة. يقال : أملى الله لفلان في العمر ، إذا أخّر عنه أجله. (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة ، والحياة هلاكا ، والعمارة خرابا. والاستفهام للتقرير.
ثمّ بيّن كيفيّة تعذيب المكذّبين بقوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) بإهلاك أهلها (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي : أهلها. في محلّ النصب على الحال. (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ساقطة ، من : خوى النجم إذا سقط. أو الخالي ، من : خوى المنزل إذا خلا من أهله. وخوى بطن الحامل. والعرش : كلّ ما أظلّك من سقف بيت أو خيمة أو ظلّة أو كرم.
والجملة معطوفة على «أهلكناها». و «على» إمّا متعلّق بـ «خاوية». فيكون المعنى : أنّها ساقطة حيطانها على سقوفها ، بأن تعطّل بنيانها فخرّت سقوفها ثم انهدمت حيطانها ، فسقطت فوق السقوف. أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها. فـ «على» تكون بمعنى مع ، وإما خبر بعد خبر ، كأنّه قيل : هي خالية وهي على عروشها ، أي : مطلّة على عروشها ، بأن سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان ، وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها.
ولا يجوز أن تكون الجملة معطوفة على (وَهِيَ ظالِمَةٌ) ، لأنّها حال ، والإهلاك ليس حال خوائها. فلا محلّ لها إن نصبت «كأيّن» بمقدّر يفسّره أهلكناها ، وإن رفعته بالابتداء فمحلّها الرفع.
(وَبِئْرٍ) عطف على قرية ، أي : وكم من بئر عامرة في البوادي ، فيها الماء الغزير ، ومعها آلات الاستقاء (مُعَطَّلَةٍ) عطّلت وتركت لا يستقى منها ، لهلاك أهلها (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مجصّص ، من الشيد بمعنى الجصّ. أو مرفوع البنيان ، من : شاد بمعنى : ارتفع.
والمعنى : كم من قرية أهلكناها؟ وكم بئر عطّلنا عن سقاتها؟ وكم قصر مشيد أخليناه عن