ويجوز أن يكون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا انتهى إلى ذكر اللّات والعزّى ، قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بهما صوته ، فألقاهما في تلاوته في مجمع الناس ، فظنّ الجهّال أنّ ذلك من قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فسجدوا عند ذلك» (١).
وهذا الوجه مردود بأنّه يخلّ بالوثوق على القرآن. ولا يندفع بقوله : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ).
(ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) لأنّه أيضا يحتمله.
والغرانيق : جمع غرنوق ، وهو الحسن الجميل. يقال : شابّ غرنوق ، إذا كان ممتلئا ريّا.
ويدلّ على أنّ الملقى أمر ظاهر عرفه المحقّ والمبطل ، لا محض الوسوسة ، قوله : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً). ابتلاء وامتحانا ، أي : تشديدا في التعبّد (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شكّ ، ونفاق (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) المشركين. يعني : ليشدّد التكليف على الّذين في قلوبهم شكّ ، وعلى الّذين قست قلوبهم من الكفّار ، فيلزمهم التمييز بين ما يحكمه الله ، وبين ما يلقيه الشيطان ، بالأدلّة المستنبطة عن دقائق الفكر ولطائف التأمّل.
(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) يعني : هؤلاء المنافقين والمشركين. فوضع الظاهر موضع ضمير «هم» قضاء عليهم بالظلم. (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) عن الحقّ ، أو عن الرسول والمؤمنين.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالله وبتوحيده وبحكمته (أَنَّهُ الْحَقُ) أنّ القرآن هو الحقّ (مِنْ رَبِّكَ) النازل من عند الله ، ولا يجوز عليه التبديل والتغيير. أو تمكين الشيطان من الإلقاء هو الحقّ من ربّك والحكمة.
(فَيُؤْمِنُوا بِهِ) فيصدّقوا به ، أو يثبتوا على إيمانهم به (فَتُخْبِتَ) فتطمئنّ (لَهُ قُلُوبُهُمْ) بالانقياد والخشية (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) فيما أشكل
__________________
(١) مجمع البيان ٧ : ٩١ ـ ٩٢.