(إِلَّا إِذا تَمَنَّى) إذا تلا ما يؤدّيه إلى قومه ، فإنّ التمنّي بمعنى التلاوة ، كما قال حسّان بن ثابت :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخره لاقى حمام المقادر |
وفي رواية أخرى :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
تمنّي داود الزبور على رسل |
(أَلْقَى الشَّيْطانُ) أي : زاد عليه بعض المشركين ـ الّذين هم بمنزلة الشيطان ـ الكلمات الباطلة والأقوال المضلّة (فِي أُمْنِيَّتِهِ) في تلاوته ليوهموا أنها من جملة الوحي. ولمّا وقع ذلك منهم بغرور الشيطان أسند إليه (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) فيزيله ويدحضه بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وترك استماع غروره. وخرج هذا على وجه التسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا كذب المشركون عليه ، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.
وعن مجاهد : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا تأخّر عنه الوحي تمنّى أن ينزل عليه ، فيلقي الشيطان في أمنيّته بأنّ الوحي يمكن أن ينقطع.
وعلى هذا ، فالمعنى : إذا تمنّى بقلبه ما يتمنّاه من الأمور ، وسوس إليه الشيطان ويدعوه إلى الباطل.
وقال صاحب المجمع بعد نقل الرواية المذكورة عن ابن عبّاس : «وقد جاء في بعض الأحاديث أنّه صدر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تلك الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى» وأراد بذلك الملائكة ، فتوهّم المشركون أنّه يريد آلهتهم.
وقيل : إنّ ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، فلمّا ظنّ المشركون أنّ المراد به آلهتهم ، نسخت تلاوته.
وقال البلخي : يجوز أن يكون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما ، فلمّا قرأها ألقاها الشيطان في ذكره ، فكاد أن يجريهما على لسانه ، فعصمه الله ونبّهه ، ونسخ وسواس الشيطان وأحكم آياته ، بأن قرأها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم محكمة سليمة ممّا أراد الشيطان.