روي عن ابن عبّاس وغيره : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا تلا سورة والنجم وبلغ إلى قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (١) ألقى الشيطان في تلاوته : تلك الغرانيق (٢) العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى. فسرّ بذلك المشركون. فلمّا انتهى إلى السجدة سجد المسلمون ، وسجد أيضا المشركون لمّا سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم.
فهذا الخبر إن صحّ فمحمول على أنّه كان يتلو القرآن ، فلمّا بلغ هذا الموضع ، وذكر أسماء آلهتهم ، وقد علموا من عادته أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يعيبها ، قال بعض الحاضرين من الكافرين : تلك الغرانيق العلى ، وألقى ذلك في تلاوته يوهم أنّ ذلك من القرآن ، فأضافه سبحانه إلى الشيطان ، لأنّه إنّما حصل بإغوائه ووسوسته.
وهذا أورده المرتضى قدّس روحه في كتاب التنزيه (٣). وهو قول الناصر للحقّ من أئمّة الزيديّة. وهو وجه حسن في التأويل.
فأنزل الله سبحانه في ذلك : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) الرسول : من بعثه الله بشريعة مجدّدة يدعو الناس إليها. والنبيّ يعمّه ومن بعثه لتقرير شرع سابق ، كأنبياء بني إسرائيل الّذين كانوا بين موسى وعيسى عليهالسلام. ولذلك شبّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم علماء أمّته بهم ، وقال : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل».
فالنبيّ أعمّ من الرسول. ويدلّ عليه أيضا أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن الأنبياء ، فقال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قيل : فكم الرسل منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّا غفيرا».
وقيل : الرسول من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه. والنبيّ من لا كتاب له.
وقيل : الرسول من يأتيه الملك بالوحي. والنبيّ يقال له ولمن يوحى إليه في المنام.
__________________
(١) النجم : ١٩ ـ ٢٠.
(٢) الغرنوق : الشابّ الأبيض الجميل. وجمعه : غرانيق.
(٣) تنزيه الأنبياء : ١٠٨.