بخلاف ظاهر الحياة الدنيا (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) يفصل بين المؤمنين والكافرين.
ثمّ بيّن تفصيل حكمه فيها بقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يتنعّمون فيها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يهينهم ويذلّهم. أدخل الفاء في الخبر الثاني دون الأوّل ، لينبّه على أنّه يثيب المؤمنين زيادة على قدر عملهم بمراتب تفضّلا منه ، وأنّ عقاب الكفّار مسبّب عن أعمالهم وعلى وفقها لا أزيد. ولذلك قال : «لهم عذاب» ولم يقل : هم في عذاب.
روي : أنّ بعض الصحابة حين رأوا الّذين استشهدوا في سبيل الله قالوا : يا رسول الله هؤلاء الّذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير في جنّات النعيم ، ونحن نجاهد معك كما جاهدوا ، فما لنا إن متنا؟ فنزلت : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا) في الجهاد (أَوْ ماتُوا) في الغربة حتف أنفهم (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) الجنّة ونعيمها.
فسوّى بين من قتل في الجهاد ، وبين من مات حتف أنفه في الوعد ، لاستوائهما في القصد وأصل العمل. والرزق الحسن : ما إذا رآه لا تمتدّ عينه إلى غيره. وهذا لا يقدر عليه غير الله تعالى ، ولذلك قال : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فإنّه يرزق بغير حساب.
(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) هو الجنّة ، فيها ما يحبّونه ، فإنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين. والمدخل يجوز أن يكون بمعنى المكان ، وبمعنى المصدر.
(وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بدرجات العاملين ، أو بأحوالهم وأحوال معادهم ومراتب استحقاقهم (حَلِيمٌ) لا يعاجل بعقوبة أعدائهم.
(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ