(ذلِكَ) أي : ذلك النصر (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) بسبب أنّ الله قادر على تغليب الأمور بعضها على بعض ، جار عادته على المداولة بين الأشياء المتعاندة على وفق حكمته. ومن ذلك إيلاج أحد الملوين (١) في الآخر ، بأن يزيد فيه ما ينقص منه ، أو بتحصيل ظلمة الليل في مكان ضوء النهار بتغييب الشمس ، وعكس ذلك باطلاعها. أو بسبب أنّه خالق الليل والنهار ومصرّفهما ، فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ والبغي والإنصاف ، فيجازيهم وفق أعمالهم. (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما يقولون (بَصِيرٌ) بما يفعلون.
(ذلِكَ) أي : ذلك الوصف بكمال القدرة والعلم. أو الوصف بخلق الليل والنهار ، والإحاطة بما يجري فيهما ، وإدراك كلّ قول وفعل. (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) الثابت في نفسه ، الواجب لذاته وحده ، فإنّ وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكلّ ما يوجد سواه ، عالما بذاته وبما عداه ، قادرا على كلّ ما يشاء. أو الثابت الالهيّة بالذات ، ولا يصلح لها إلّا من كان قادرا عالما بالذات.
(وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) إلها. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء ، على مخاطبة المشركين. (هُوَ الْباطِلُ) هو المعدوم في حدّ ذاته ، أو باطل الألوهيّة (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) على الأشياء (الْكَبِيرُ) عن أن يكون له شريك ، ولا شيء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦))
__________________
(١) الملوان : الليل والنهار. والواحد : ملا.