يُنازِعُنَّكَ) سائر أرباب الملل (فِي الْأَمْرِ) في أمر الدين ، أو النسائك. يعني : لا تلتفت إلى قولهم ، ولا تمكّنهم من أن يناظروك ، لأنّ مناظرتهم مؤدّية إلى نزاعهم ، فإنّها إنّما تنفع طالب الحقّ ، وهؤلاء أهل مراء وعناد وجهالة. وهذا كقولك : لا يضاربنّك زيد ، أي : لا تضاربه. وهذا إنّما يجوز في أفعال المغالبة للتلازم.
وقيل : هذا زجر عن التعريض لرسول الله بالمنازعة في الدين ، لأنّهم جهّال وأهل عناد ، أو لأنّ أمر الإسلام أظهر من أن يقبل النزاع. وترك واو العطف في صدر الآية ، وذكرها في نظيرها ، وهو قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) (١) لأنّ نظيرها وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك ، فعطفت على أخواتها ، بخلاف هذه الآية.
وقيل : نزلت في بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيّين وغيرهما ، فإنّهم قالوا للمسلمين : ما لكم تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعنون الميتة.
وقيل : معنى الآية : أنّه ليس لهم أن ينازعوك في شريعتهم ، لأنّها قد نسخت شريعتك الشرائع المتقدّمة.
وفيها زيادة التثبيت لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يهيّج حميّته الدينيّة ، ويلهب غضبه لله ولدينه. ومنه قوله تعالى : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ ... وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٢). (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) (٣). وهيهات هيهات أن ترتع همّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حول ذلك الحمى ، ولكنّه وارد على إرادة التهييج.
(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) إلى توحيده وعبادته (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) طريق سويّ إلى الحقّ.
(وَإِنْ جادَلُوكَ) خاصموك في أمر الذبيحة وغيرها من أمور الدين على سبيل
__________________
(١) الحجّ : ٣٤.
(٢ ، ٣) القصص : ٨٧ ، ٨٦.