ثمّ بيّن عجز الأصنام ، فقال خطابا لجميع المكلّفين : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) للأصنام وعبدتها ، أي : بيّن لكم حال مستغربة أو قصّة رائعة ، ولذلك سمّاها مثلا (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) للمثل استماع تدبّر وتفكّر.
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني : الأصنام. وكانت ثلاثمائة وستّين صنما حول الكعبة. وقرأ يعقوب وأبو عمرو وحفص وحمزة بالياء. والرّاجع إلى الموصول محذوف.
(لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) لا يقدرون على خلقه مع صغره ، لأنّ «لن» بما فيها من تأكيد النفي دالّة على أنّ خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم. كأنّه قال : محال أن يخلقوا الذباب. وهو من الذبّ ، لأنّه يذبّ. وجمعه أذبّة وذبّان.
(وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) هذا بجوابه المقدّر في موضع الحال جيء به للمبالغة ، أي : لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه ، فكيف إذا كانوا منفردين؟! هذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش واستركاك عقولهم ، والشهادة على أنّ الشيطان قد خزمهم (١) بخزائمه ، حيث وصفوا بالإلهيّة ـ الّتي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلّها ، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها ـ صورا وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقلّ ما خلقه الله عزوجل ، وأذلّه وأصغره وأحقره ، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا.
(وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) أي : وأدلّ من ذلك على عجزهم وانتفاء قدرتهم ، أنّ الذباب الّذي هو الخلق الأقلّ الأذلّ ، لو اختطف منهم شيئا ، فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) لا يقدرون على استنقاذه واستخلاصه منه.
قيل : كانوا يطلونها بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب ، فيدخل الذباب من الكوى فيختلسه ويأكله.
__________________
(١) يقال : خزم أنف فلان ، أي : أذلّه وتسخّره. والخزامة : حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير يشدّ فيها الزمام. وجمعها : خزائم.