ثمّ قال على وجه التعجّب : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) مثّلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون (فَضَلُّوا) عن الحقّ في جميع ذلك ، كضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه ، فهو متحيّر في أمره لا يدري ما يصنع (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى طعن بوجه فيتهافتون ويخبطون.
(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) وغبارا. وعن مجاهد : ترابا. (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) يعني : قال منكروا البعث على الإنكار والاستبعاد : أإذا متنا ، وانتثرت لحومنا ، وصرنا عظاما وحطاما ، أنبعث بعد ذلك خلقا متجدّدا؟ لما بين غضاضة الحيّ ويبوسة الرميم من المباعدة والمنافاة. والعامل في «إذا» ما دلّ عليه «مبعوثون» لا نفسه ، لأنّ ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها. و «خلقا» مصدر أو حال.
(قُلْ) جوابا لهم (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) أي : اجهدوا في أن لا تعادوا ، فكونوا إن استطعتم حجارة في القوّة والصلابة ، أو حديدا في الشدّة والجساوة (١).
(أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي : ممّا يكبر عندكم عن قبول الحياة ، لكونه أبعد شيء منها ، كالسماوات والأرض والجبال ، فإنّ قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم ، لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض ، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة ، وقد كانت غضّة موصوفة بالحياة قبل؟! والشيء أقبل لما عهد فيه ممّا لم يعهد. وخرج الكلام مخرج الأمر ، لأنّه أبلغ في الإلزام.
(فَسَيَقُولُونَ) إنكارا واستبعادا (مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وكنتم ترابا وما هو أبعد منه من الحياة ، فإنّ من قدر على ابتداء الشيء كان على إعادته أقدر ، فإنّ ابتداء الشيء أصعب من إعادته ، وأنتم تقرّون بالنشأة الأولى ، فلم تنكرون النشأة الآخرة ، مع أنّها أهون وأسهل؟! (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) فسيحرّكونها نحوك تعجّبا واستهزاء
__________________
(١) أي : الصلابة ، من : جسأ أو جسا ، إذا صلب.