الإجمال ، افتتح هذه السورة بتفصيل تلك الجملة وبيان تلك الأفعال ، ولمّا كان المؤمنون متوقّعين من فضل الله ، صدّر هذه السورة ببشارتهم ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) «قد» تثبت المتوقّع ، كما أنّ «لمّا» تنفيه ، وتدلّ على ثباته إذا دخلت على الماضي ، ولذلك تقّربه من الحال. والفلاح الظفر بالمراد. وقيل : البقاء في الخير. ويقال : أفلح إذا دخل في الفلاح ، كأبشر إذا دخل في البشارة. والمؤمن لغة : المصدّق. وشرعا : الّذي صدّق بوحدانيّته وبرسله وبجميع ما جاؤا به.
(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) خائفون من الله خاضعون ، متذلّلون له ، ملزمون أبصارهم مساجدهم.
روي : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلّي رافعا بصره إلى السماء ، فلمّا نزلت رمى ببصره نحو مسجده. وأنّه رأى رجلا يبعث بلحيته في الصلاة ، فقال : «لو خشع قلب هذا الرجل لخشعت جوارحه».
وفي هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجمع الهمّة لها والإعراض عمّا سواها ، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود. وأمّا الجوارح فهو أن يلتزم كلّ جارحة بما أمر به في الصلاة ، ويستعمل الآداب ، فيتوقّى من العبث بجسده وثيابه ، والالتفات ، والتمطّي ، والتثاؤب ، والتغميض ، والفرقعة ، والتشبيك ، وتقليب الحصى ، وغير ذلك.
ونظر الحسن البصري إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول : اللهمّ زوّجني من الحور العين. فقال : بئس الخاطب أنت! تخطب وأنت تعبث.
وأضيفت الصلاة إليهم لأنّهم المنتفعون بها فقط ، وهي عدّتهم وذخيرتهم ، وأمّا المصلّى له فغنيّ متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها.
وعن ابن عبّاس : الخاشع في الصلاة هو الّذي لا يعرف من على يمينه ، ولا من على يساره.