والفرات وهما نهرا العراق ، والنيل وهو نهر مصر. أنزلها الله من عين واحدة ، وأجراها في الأرض ، وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم ، فذلك قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ).
(وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) على إزالته بالإفساد ، أو التصعيد ، أو التعميق ، بحيث يتعذّر استنباطه (لَقادِرُونَ) كما كنّا قادرين على إنزاله. وفي تنكير الذهاب إيماء إلى كثرة طرق الذهاب ، وكمال اقتدار مذهبه ، ومبالغة في الإيعاد به. ولذلك جعل أبلغ من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (١). فعلى العباد أن يستعظموا النعمة في الماء ، ويقيّدوها بالشكر الدائم ، ويخافوا نفارها إذا لم تشكر.
وفي الحديث : «النعم وحشيّة فقيّدوها بالشكر».
وقال بعض العلماء : الشكر للنعمة الحاضرة قيد ، وللمترقّبة صيد ، فإذا شكرت قرّت ، وإذا لم تشكر فرّت.
(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) بالماء (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها) في الجنّات (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) تتفكّهون بها (وَمِنْها) ومن الجنّات ثمارها وزروعها (تَأْكُلُونَ) تغذّيا. أو ترتزقون وتحصّلون معايشكم. من قولهم : فلان يأكل من حرفة يحترفها ، ومن ضيعة يغتلّها ، ومن تجارة يتربّح بها. يعنون : أنّها طعمته وجهته الّتي منها يحصّل رزقه.
كأنّه قال : وهذه الجنّات وجوه أرزاقكم ومعايشكم ، منها ترتزقون وتتعيّشون.
ويجوز أن يكون الضميران للنخيل والأعناب ، أي : لكم في ثمراتها. فوصفهما بأنّ ثمرهما جامع بين أمرين : فاكهة يتفكّه بها ، وطعام يؤكل رطبا ويابسا ، وعنبا وتمرا وزبيبا.
(وَشَجَرَةً) عطف على «جنّات». وهي الزيتون. (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) جبل موسى بين مصر وأيلة. وقيل : بفلسطين. وقد يقال له : طور سينين.
ولا يخلو إمّا أن يكون الطور اسم الجبل ، وسيناء اسم بقعة ، فأضيف إليها. وإمّا أن
__________________
(١) الملك : ٣٠.