(رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قرينا لهم في العذاب ، فأخرجني من بينهم إذا أردت إحلال العذاب بهم. وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان معصوما من نزول العذاب عاجلا وآجلا ، لكن صدور هذا القول منه لأنّه يجوز أن يسأل العبد ربّه ما علم أن يفعله ، وأن يستعيذ به ممّا علم أنّه لا يفعله ، هضما لنفسه ، وإظهارا للعبوديّة ، وتواضعا لربّه ، وإخباتا له. ومنه استغفاره إذا قام من مجلسه سبعين مرّة أو مائة مرّة. وقول إبراهيم عليهالسلام : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) (١).
وتكرير النداء ، وتصدير كلّ واحد من الشرط والجزاء ، حثّ على فضل تضرّع وجؤار (٢).
(وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) لكنّا نؤخّره ، علما بأنّ بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون. أو لأنّا لا نعذّبهم وأنت فيهم. قيل : ردّ لإنكار هم الموعود ، واستعجالهم له استهزاء به. وقيل : قد أراه ، وهو قتل بدر أو فتح مكّة.
روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في حجّة الوداع وهو بمعنى : «ولا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّي في كتيبة يضاربونكم. قال : فغمز من خلفه منكبه الأيسر ، فالتفت فقال : أو عليّ. فنزلت الآيات المذكورة» (٣).
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠))
__________________
(١) الشعراء : ٨٧.
(٢) جأر يجأر جؤارا إلى الله : رفع صوته بالدعاء وتضرّع.
(٣) شواهد التنزيل ١ : ٥٢٦ ح ٥٥٩.