فإذا عقد من جزع (١) ظفار قد انقطع ، فرجعت ، وحمل هودجها على بعيرها ظنّا منهم أنّها فيه ، فلمّا عادت إلى الموضع وجدتهم قد رحلوا ، فجلست كي يرجع إليها أحد. وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش ، فلمّا وصل إلى ذلك الموضع وجدهم قد رحلوا وعرفها ، فأناخ بعيره حتّى ركبته وهو يقوده حتّى أتى الجيش ، وقد نزلوا في وقت الظهيرة ، فاتّهمت به. فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ)
بأبلغ ما يكون من الكذب. وأصله الإفك ، وهو الصرف ، لأنّه قول مأفوك عن وجهه. والمعنى : بالكذب العظيم الّذي قلب فيه الأمر عن وجهه. والمراد ما أفك به على عائشة. (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) جماعة منكم. وهي من العشرة إلى الأربعين. وكذلك العصابة. يقال : اعصوصبوا ، أي : اجتمعوا. وهم : عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وزيد بن رفاعة ، وحسّان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم. وهي خبر «إنّ».
وقوله : (لا تَحْسَبُوهُ) مستأنف ، أي : لا تحسبوا غمّ الإفك (شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لاكتسابكم به الثواب العظيم ، وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم ، وتهويل الوعيد لمن تكلّم في ذلك وسمع به فلم تمجّه أذناه ، والثناء على من ظنّ بكم خيرا. وتضمّنت كلّ واحدة منها مسألة وفائدة بيّنة ، وحكما شرعيّا ، مستقلّة بما هو تعظيم شأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتسلية له ، وتنزيه لعائشة ، وتطهير ذيلها. والخطاب لعائشة وصفوان ، لأنّهما المقصودان بالإفك ، ولمن ساءه ذلك من المؤمنين ، وخاصّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) لكلّ جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصّا به.
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «الجزع بالفتح الخرز اليماني ، الواحدة جزعة. ظفار بوزن قطام ، هي اسم مدينة. منه».