وقال بعضهم : إنّها رؤيا نوم رآها أنّه دخل مكّة وهو بالمدينة ، فقصدها فصدّه المشركون في الحديبية عن دخولها ، حتّى شكّ قوم ودخلت عليهم الشبهة ، فقالوا : يا رسول الله ألست قد أخبرتنا أنّا ندخل المسجد الحرام آمنين؟ فقال : أو قلت لكم إنّكم تدخلونها العام؟ قالوا : لا. فقال : لندخلنّها إن شاء الله. ورجع ثمّ دخل مكّة في العام القابل ، فنزل : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) (١). وهو قول الجبائي وأبو مسلم.
وفيه : أنّ الآية مكيّة ، إلّا أن يقال : رآها بمكّة وحكاها حينئذ.
وقيل : هي رؤيا رآها في وقعة بدر ، لقوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) (٢).
ولما روي أنه لمّا ورد ماء بدر قال : لكأنّي أنظر مصارع القوم ، هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان ، فتسامعت به قريش واستسخروا منه.
وقيل : رأى في المنام قوما من بني أميّة يرقون على منبره وينزون عليه نزو القردة ، فقال : هذا حظّهم من الدنيا ، يعطون بظاهر إسلامهم. وهو منقول عن سهل بن سعيد عن أبيه ، ومرويّ عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهماالسلام ، حيث قالا : «إنّ الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أميّة ، أخبره الله تعالى بتغلّبهم على مقامه ، وقتلهم ذرّيّته».
وبعد هذه الرؤية لم ير صلىاللهعليهوآلهوسلم ضاحكا حتّى مات.
وعلى هذا كان المراد بقوله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ما حدث في أيّامهم ، كماروي عن المنهال بن عمرو قال : «دخلت على عليّ بن الحسين عليهماالسلام فقلت له : كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال : أصبحنا والله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وأصبح خير البريّة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يلعن على المنابر ، وأصبح من يحبّنا منقوصا حقّه بحبّه إيّانا».
وقيل للحسن : يا أبا سعيد قتل الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، فبكى حتّى اختلج جنباه ،
__________________
(١) الفتح : ٢٧.
(٢) الأنفال : ٤٣.