والقول الأوّل مرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام. قالا : «هي مثل قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) (١). إنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ ، فنهاهم الله عن ذلك ، وكره ذلك لهم».
(أُولئِكَ) يعني : أهل بيت النبيّ ، أو الرسول وعائشة وصفوان (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) يقول الآفكون فيهم ، إذ لو صدق لم تكن زوجته عليهالسلام ، ولم يقرّر عليها. وقيل : «أولئك» إشارة إلى الطيّبين ، والضمير في «يقولون» للخبيثين ، أي : الطيّبون مبرّؤن ممّا يقول الخبيثون من خبيثات الكلم. (لَهُمْ) لهؤلاء الطيّبين من الرجال والنساء (مَغْفِرَةٌ) من الله لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) عطيّة من الله كريمة ، يعني : الجنّة.
وفي الآيات مبالغات كثيرة في أمر الإفك ، فإنّه سبحانه أوجز في ذلك وأشبع ، وفصّل وأجمل ، وأكّد وكرّر ، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلّا ما هو دونه في الفظاعة.
وعن ابن عبّاس : أنّه كان بالبصرة يوم عرفة ، وكان يسأل عن تفسير القرآن ، حتّى سئل عن هذه الآيات ، فقال : من أذنب ذنبا ثمّ تاب منه قبلت توبته ، إلّا من خاض في أمر عائشة.
وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك. ولقد برّأ الله أربعة بأربعة : برّأ يوسف عليهالسلام بلسان الشاهد : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) (٢). وبرّأ موسى عليهالسلام من قول اليهود بالحجر الّذي ذهب بثوبه. وبرّأ مريم عليهماالسلام بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) (٣).
وبرّأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر ، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات.
__________________
(١) النور : ٣.
(٢) يوسف : ٢٦.
(٣) مريم : ٣٠.