قابلة للأنوار. وذلك التمكّن إن كان بفكر واجتهاد فهو كالشجرة الزيتونة. وإن كان بالحدس فكالزيت. وإن كان بقوّة قدسيّة فكالّتي يكاد زيتها يضيء ، لأنّها تكاد تعلم ، ولو لم تتّصل بملك الوحي والإلهام الّذي مثله النار ، من حيث إنّ العقول تشتعل عنه. ثمّ إذا حصلت لها العلوم بحيث تتمكّن من استحضارها متى شاءت كانت كالمصباح ، فإذا استحضرتها كانت نورا على نور.
(يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) يوفّق لهذا النور الثاقب الباهر الغالب (مَنْ يَشاءُ) من الّذين يتدبّرون فيه ، وينظرون بعيون عقولهم ، وينصفون من أنفسهم ، ولم يذهبوا عن الجادّة الموصلة إليه يمينا وشمالا ، لا الّذين لم يتدبّروا فيه ، بل يعاندونه ، فإنّهم لا يستحقّون التوفيق واللطف ، بل يستوجبون الخذلان والتخلية ، فإنّهم كالعمي الّذين سواء عليهم جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس.
(وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) تقريبا للمعقول من المحسوس ، توضيحا وبيانا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) معقولا كان أو محسوسا ، ظاهرا كان أو خفيّا. وفيه وعد ووعيد لمن تدبّرها ، ولمن لم يكترث بها.
(فِي بُيُوتٍ) متعلّق بما قبله ، أي : كمشكاة في بعض بيوت ، أو توقد في بعض بيوت. فيكون تقييدا للممثّل به بما يكون تحبيرا (١) ومبالغة فيه ، فإنّ قناديل المساجد تكون أعظم.
والبيوت هي المساجد ، لأنّ الصفة الآتية تلائمها. وقيل : المساجد الثلاثة (٢).
والتنكير للتعظيم. ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة ، إذ المراد بها ماله هذا الوصف بلا اعتبار وحدة وكثرة.
__________________
(١) تحبير الكلام : تحسينه وتزيينه.
(٢) هي : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.